Chereads / Shadow architect / Chapter 2 - 2-الإستفاقة

Chapter 2 - 2-الإستفاقة

استفاق كارو في الحجرة المظلمة، وأشعة الشمس تتسلل بخفوت من خلال الستائر الثقيلة. رفع رأسه ببطء، وعيناه مبللتان بالدموع التي لم يتذكر سببها. كل شيء حوله بدا مألوفًا: الغرفة، الأثاث، وحتى الخدم الواقفون عند الباب.

لكن ما شد انتباهه هو نظرات الخدم. كانوا يحدقون فيه بصدمة واضحة، وكأنهم رأوا ما لا يصدق.

"سيدي... أخيرًا استيقظت." قال أحدهم بصوت مضطرب، فيما حاول الآخر كتم دهشته، ملامحهم تحمل مزيجًا من الفرح والقلق.

كارو لم يُظهر أي علامات للارتباك. عرف الغرفة، عرف الخدم. عرف أنه من المفترض أن يكون في غيبوبة لأربعة أشهر. ولكن شيئًا ما في داخله كان مختلفًا، شيئًا لا يجرؤ على الإفصاح عنه.

بينما كان يحدق في السقف، غرق في أفكار لا يمكنه الهروب منها:

"هل هذه هي الحياة؟ هل نحن نعيش حقًا أم نعيد نفس اللحظات دون أن ندرك؟ كيف يمكن للمرء أن يعرف إن كان حقًا موجودًا؟" تساءل كارو في صمت، والشكوك تتسلل إلى أعماقه.

"الأيام تمر، والوجوه تتغير، لكن... ماذا إن لم يكن أيٌّ من هذا حقيقي؟ ماذا إن كانت حياتنا مجرد صدى لحظة ضاعت؟"

قُطع حبل أفكاره فجأة بصوت فتاة ناعم:

"كارو؟ هل أنت بخير؟"

التفت ببطء نحو مصدر الصوت، ليجد ليانا واقفة عند الباب. كانت آية في الجمال، شعرها الأسود الطويل ينساب على كتفيها برقة، وعيناها الزرقاوان تشعان بقلقٍ حقيقي. كانت بنفس عمر كارو، 16 عامًا، لكن وقوفها بثقة وهدوئها يوحيان بشيء أعمق من مجرد مراهقة.

اقتربت منه بخطوات خفيفة، ترتدي فستانًا بسيطًا يعزز من جمالها الطبيعي. لم يكن كارو بحاجة إلى كلمات ليدرك أنها كانت دائمًا إلى جانبه خلال غيبوبته. كانت ملامحها مرسومة بتعبير قلق واهتمام، وكأنها تخشى أن يكون قد فقد شيئًا مهمًا أثناء غيبوبته.

"رائع، استيقظت من غيبوبة لتستقبلني هذه البدينة وتقطع حبل أفكاري." همس كارو بصوت خافت، مع إيماءة سريعة نحو ليانا.

ردت ليانا، وقد تملكتها رغبة في ضربه على رأسه: "أظن أنني سمعتك تقول شيئًا ما عني." كان صوتها يحاول كبح الغضب، لكنها لم تستطع إخفاء ابتسامة خفيفة على شفتيها.

رد كارو بوجه يتصنع الصلابة والحيرة: "لا أظنك تتخيلين." ثم انحنى برأسه قليلاً، كما لو كان يحاول تجنب نظراتها.

"أتمنى أن تكون محقًا." قالت وهي ما تزال تكبح غضبها، وعلامات الارتياح تتسلل إلى عينيها.

"سيدي الشاب، ألا ترى أنه من غير الحسن أن تتعامل هكذا مع فتاة حسناء كانت لا تتزعزع من قرب سريرك تقريبًا لمدة 4 أشهر؟ أي كانت أكثر من قلقة عليك!" قال أحد الخدم بتهكم، ضاحكًا على موقف كارو.

---

"ماذا؟ ألم تعدني أنك لن تخبره؟" قالت ليانا، محمرة الوجه وهي محرجة، تنظر إلى كبير الخدم الذي أفشى سرها.

"حسنًا، يبدو أنني محظوظ لأن لدي صديقة طفولة تهتم لأمري." قال كارو بابتسامة هادئة، لكنها كانت ابتسامة تحمل شيئًا من الثقل، كما لو أنها ستكون آخر ابتسامة له لفترة طويلة.

ليانا رفعت حاجبيها، بينما احمر وجهها أكثر. "مالذي تقوله أنت أيضًا؟" قالت بصوت مختلط بين الخجل والانزعاج.

تقدم سياليز، كبير الخدم، بخطوات واثقة وهو يقول: "الأهم من ذلك، يا سيدي، بعد أن سقطت من أعلى طابق في منزل العائلة، تأذيت بشدة لدرجة دخولك في غيبوبة لمدة أربعة شهور. هذا يعني أن البرنامج التعليمي قد مر، وبعد أسبوع سيبدأ الاختبار النهائي."

"لا تقلق، سياليز. سأريك عرضًا ممتعًا تلك الليلة." قال كارو بجديّة، نبرة صوته لم تحمل أي أثر للمزاح.

"عرضًا ممتعًا؟" سألت ليانا وقد ارتسمت على وجهها علامات الحيرة، تحاول فهم ما قصده.

"يبدو أن السيد لديه خطة ما... حسنًا، سأثق فيك." قال سياليز، وقد ظهر على وجهه تعبير الثقة المعهودة تجاه سيده الشاب.

"أيمكنني طلب وقت لي بمفردي؟" قال كارو بهدوء، لكن نظرته كانت تخفي عواصف من التفكير.

سياليز أومأ برأسه وقال بصوت منخفض: "يبدو أنك لم تتعافَ بعد من آثار الصدمة. هيا يا سيدتي، لنترك السيد وحيدًا للحظة."

---

بعد أن غادر الخدم، عاد كارو إلى أفكاره، مستعيدًا وجوه الرجال الثلاثة الذين رآهم في غيبوبته. كان يعرف أنهم لم يكونوا مجرد خيالات. كانت وجوههم محفورة في ذاكرته، رغم أنه لم يلتقِ بهم من قبل.

"من هؤلاء؟ ولماذا أحس بوجودهم وكأنهم كانوا دائمًا هنا؟" تساءل وهو يحاول تذكر تفاصيلهم بدقة، لكن كلما ركز، بدت صورهم تتلاشى.

شعر بشيء يضغط عليه. لقد طرحوا أسئلة تثير قلقًا عميقًا بداخله. أسئلة لم يكن مستعدًا لها:

"لماذا كانوا هناك؟ هل لهم علاقة بما حدث لي؟"

أعاد تكرار كلماتهم في ذهنه، كانت تلك الكلمات مشحونة بمعانٍ غامضة، كأنها مفتاح لأمر لا يستطيع فك شيفرته بعد.

شيء واحد كان يعرفه يقينًا: تلك الوجوه لن تُمحى من ذاكرته قريبًا، وستظل تطارده حتى يجد تفسيرًا لما رأى.