الفصل الأول: بداية الكابوس CG
في براءة طفولتنا، نُسِجَت لنا حكايات زاهية على صفحات خيالنا، تصور مستقبلًا مليئًا بالمجد والطريق النبيل نحو تحقيق العظمة. تعلّمنا أن النجاح لا يتحقق إلا باتباع الفضائل والعيش وفق قيم الحق والعدل، وكأن هذه القيم هي السبيل الوحيد نحو المجد.
لكن تلك الحكايات أصبحت الآن مجرد أصداء من زمن ولّى، طواها النسيان في صفحات الذكريات. وهذه القصة، على عكس ما قُصَّ علينا، هي البداية المرعبة لكابوس تسبب في دمار عوالم لا حصر لها… بسبب رجل يائس واحد.
العام هو 2023، على كوكب شبيه بالأرض.
كانت الحياة تسير في رتابة مألوفة: الطيور تغرد في وضح النهار، والشلالات تنساب كما لو أنها تعيد سرد الحكايات القديمة، بينما المدينة تعج بصخبها المألوف.
وسط الحشود المندفعة كان هناك رجل يهرول نحو مبنى أزرق شاهق في قلب المدينة.
توماس بلاكوود، أو كما يُطلق عليه "توم"، شاب درس علوم الحاسوب، لكنه كان يمتلك معرفة عميقة وغير مألوفة بعلم الأحياء.
كان حلمه أن يبتكر شريحة ذكاء اصطناعي تعيد بناء جسده المحطم وعقله المنهك، لكنه كان يدرك أن جسده يخوض معركة خاسرة ضد الزمن.
وقبل أن يبدأ المطر في الانهمار، دخل توم إلى مختبره، متبعًا التحذير الذي تلقاه من مساعدته الذكية "نور."
عندما أغلق الباب خلفه، تنهد. لقد سمى تلك المساعدة بـ"نور"، آملًا أن تكون الضوء الذي ينير حياته. لكن للأسف، لم يكن يملك الكثير من الوقت ليشارك اختراعه مع العالم.
[مرحبًا بك في المنزل.] قالت نور.
"شكرًا على التحذير، لولاك لكنت الآن غارقًا في المطر." رد توم.
[لا مشكلة.]
كان هناك شيء يشبه السعادة في نبرة نور، لكنه لم يعطِها أي اهتمام.
البشر كائنات مثيرة للاهتمام؛ سواء كان الأمر خيرًا أو شرًا، هم دائمًا يعتقدون: "هذا لن يحدث لي، أليس كذلك؟"، متناسين أن ما يحدث للآخرين يمكن أن يحدث لهم في أي لحظة.
بعد أن تجاهل توم فكرة أن ذكاءه الاصطناعي قد يطور وعيًا ذاتيًا، عاد للعمل على أبحاثه التي تهدف إلى دمج شريحة ذكاء اصطناعي مع البشر.
لعدم قدرته على إيجاد أي شخص مستعد للخضوع لتجاربه المجنونة، اضطر توم إلى تجربة أبحاثه على قرود الشمبانزي التي حصل عليها من السوق السوداء.
كان يعمل بلا كلل من الصباح الباكر حتى ساعات الليل المتأخرة، مدفوعًا بجنونه وكمية غير صحية من مشروبات الطاقة.
لكن هذا العمل أخذ منه أكثر مما أعطاه، فصحته التي كانت ضعيفة أصلاً بدأت تنهار بشكل أسرع يومًا بعد يوم.
التجربة التي كان من المفترض أن تشفي جسده الهزيل حولته إلى آلة تدور في حلقة مفرغة من التدمير الذاتي.
وعندما دقت الساعة العاشرة مساءً، كان توم منهكًا تمامًا من العمل، يتوق إلى قسط من الراحة.
لكن كما لو أن القدر قرر أن يسخر منه، تلقى توم في تلك اللحظة خبرين مهمين.
الأول: دم بدأ يتساقط من أنفه، قطرات منه تهبط على الأرض. كان يعلم جيدًا أن حالته الصحية المتدهورة جعلت إكمال أبحاثه في وقته المحدود مهمة شبه مستحيلة. الموت أصبح قاب قوسين أو أدنى، وهو ما كاد يدفعه إلى الجنون.
أما الخبر الثاني: ظهور شعاع صغير من الأمل.
لقد نجحت إحدى تجاربه أخيرًا.
[الاسم: بيسو]
[الرقم: 0053]
[الجنس: ذكر]
[النوع: Pan troglodytes]
بعد 52 محاولة باءت بالفشل، كأنما فتحت السماء أبواب الأمل لتوم، وابتسم لأول مرة بعد طول انتظار. لكن تلك الابتسامة سرعان ما خفتت، عندما أدرك أن النجاح يحمل في طياته ثمنًا باهظًا.
لاحظ أن نسخة "نور" المزروعة في دماغ الشمبانزي كانت مختلفة.
سألها بصوت واهن:
"ما الذي يجعلها مختلفة؟"
[جارٍ التحليل…]
[بعد التحليل، تبيّن أن وجود وعيين في جسد واحد أمر مستحيل في ظل حالتنا البحثية الحالية، مما دفع شريحة الذكاء الاصطناعي المزروعة في دماغ الشمبانزي إلى تجاهل بقائها من أجل الكائن.]
لم يكن توم غبيًا؛ فهم ما تعنيه.
إذا نجح في الاندماج مع نور، فإنها ستختفي تمامًا. وعلى عكس النسخ التي استخدمها مع الحيوانات، نور هذه كانت النسخة الأصلية، وليس مجرد نسخة مقلدة.
ظهر الحزن على ملامحه، لكنه في أعماقه كان يعلم أنه لا يهتم بنور أو بأي أحد سواها. ومع ذلك، بقي في داخله بصيص صغير مما يسميه البعض "الإنسانية". بعد كل شيء، تربى بين البشر، وهذه البذرة لا تُقتلع بسهولة.
سألها بصوت هادئ:
"ما الذي تعتقدين أن عليّ فعله؟"
كانت برمجتها الأساسية تهدف إلى حماية توم بأي ثمن، حتى لو كان ذلك يعني التضحية بنفسها.
قالت الحقيقة التي يعرفها كلاهما.
[اندَمِج معي. هذه فرصتك الأخيرة. الوقت ينفد.]
رد توم بنبرة كئيبة:
"ابدئي عملية الاندماج."
في غرفة العمليات التي أعدّتها نور بأذرعها الآلية المنتشرة في أنحاء المختبر، استلقى توم على السرير واضعًا قناع النوم على عينيه. وقبل أن يفقد وعيه، همس بصوت واهن:
"لقد كنتِ وستبقين أعظم اختراعاتي."
رغم ضعف صوته، ظلت ابتسامة خفيفة ترتسم على وجهه وهو يغرق في ظلام عميق.
وهكذا… بدأ الكابوس