الفصل الثاني: ما وراء الإنسان CG
لم تضيع "نور" الوقت وبدأت على الفور باستخدام الأذرع الآلية لقص شعر "توم". كان توم يعتمد على هذا الحلاق الآلي لأنه لم يكن لديه وقت كافٍ لزيارة حلاق حقيقي، إذ كان يكرس كل لحظة من يومه للعمل. لم يكن يعلم أن هذا الاختراع نفسه، الذي صُمّم لراحته، سيصبح في يومٍ من الأيام الأداة التي ستحدد مصيره وحياته.
بعد أن أزالت نور شعره، بدأت باستخدام الأيدي الآلية المزودة بالليزر لإزالة طبقات الجلد. تابعت عملها بمهارة وفتحت المنطقة الجدارية من رأسه، إذ كان من الضروري إتمام العملية بسرعة لضمان قبول جسد "توم" لشريحة الذكاء الاصطناعي. دون تردد، وضعت الشريحة في المكان المحدد داخل جمجمته.
رغم أن "نور" لن تخوض معركة مباشرة مع وعي "توم" أو روحه، إلا أن المخاطرة لا تزال قائمة. فالجسد البشري الفاني لا يمتلك القدرة على استيعاب وعيين في آن واحد. كان الوضع أشبه بجرة ممتلئة عن آخرها، وأي محاولة لإضافة محتوى إضافي ستؤدي إلى تحطمها.
عندما فتح "توم" عينيه، ظن أن الجراحة قد نجحت. ضحك بابتسامة واسعة امتدت من خد إلى خد، لكنه سرعان ما أدرك أن ما يقف عليه لم يكن أرضًا صلبة، بل كان ماءً. بعد لحظات قصيرة، لاحظ وجود شخص آخر في هذا المكان... فتاة شابة جميلة ترتدي فستانًا أبيض.
"من... من أنتِ؟" تمتم توم بصوت متردد. [سيدي، إنها أنا، نور.] أجابت الفتاة.
بينما نظر حوله في محيطه الغريب، توصل إلى استنتاج بدا جنونيًا ولكنه منطقي: هذا المكان الذي يقف فيه الآن هو مقر وعي الكائنات الحية، وهو أيضًا مكان وجود وعيه الخاص. لم يكن يعلم حينها أن هذا المكان يُعرف في بعض عوالم الفنون القتالية والزراعة باسم "بحر الروح." ورغم أن هذا الاسم ليس الوحيد له، إلا أن هناك أمرًا مشتركًا بين جميع هذه العوالم: هذا المكان هو المساحة الأكثر هشاشة للشخص.
لاحظ "توم" أن بحر روحه بدأ يتصدع وينهار إلى شظايا. أدرك أن الوقت ليس في صالحه للتفكير في هذا الاكتشاف الهائل. كانت السماء فوقه على وشك الانهيار. أمر "نور" بصوت مليء بالقلق: "ابدئي عملية الدمج الحقيقي للوعي." ردت "نور" بحزم: [نعم، سيدي.]
اندفعت "نور" نحوه، واتصلت طاقتهما في وميض هائل من الضوء والوعي. في لحظة الالتقاء، شعر "توم" بألم يفوق كل شيء مر به في حياته. كان الألم أشبه بتمزق كل خلية في جسده وإعادة تجميعها في الوقت نفسه. تجاوز هذا الألم أي ألم عرفه سابقًا، سواء كان جرح طلق ناري أو لسعة كائن سام. صرخ "توم" بألم لا يوصف، واستمر عويله لساعات، وحيدًا في بحر روحه، بلا رفيقة حياته التي شاركته لحظاته الأخيرة.
رغم الألم الرهيب، رفض "توم" الاستسلام للنوم. شعر أن استسلامه يعني خسارته لكل ما عمل من أجله. وبرغم أهمية هذا الألم، إلا أنه لم يكن شيئًا مقارنة بما تحمله طوال حياته بسبب مرضه.
بعد ساعات طويلة من البؤس، استيقظ "توم" أخيرًا. عندما نهض، لاحظ وجود دماء على شفته العليا. ظن لوهلة أن شيئًا سار بشكل خاطئ أثناء العملية، فمد يده ليتحسسها. لكن لحظة الذعر سرعان ما تبددت عندما لاحظ أن الدم جاف، مما يعني أنه كان من المراحل الأولى للجراحة.
الآن وقد اندمج مع "نور"، تساءل عن كيفية التواصل معها، لذا قام بأبسط ما خطر في ذهنه. نادى بصوت واضح: "نور، هل أنتِ هنا؟"
ردت "نور" بصوت آلي تمامًا، خالٍ من أي دفء: [سيدي، نور هنا.] سألها عن حالته البدنية، هذا الجسد المتهالك الذي دفعه لخوض تلك الجراحة الجهنمية. ردت نور: [كيف تود عرض حالتك الجسدية؟]
كان "توم" شغوفًا بالألعاب والروايات. كانت هذه الأمور ملاذه الوحيد من الألم الذي عاشه طوال حياته. لذا أجاب دون تفكير: "أريني إياها على هيئة شاشة لعبة."
نفذت "نور" طلبه وعرضت إحصاءاته أمام عينيه.
إحصاءات ما قبل الجراحة:
[الاسم: توماس بلاكوود]
[الجنس: ذكر]
[النوع: الإنسان العاقل]
[الصحة: 33/100]
[القوة: 0.6]
[المرونة: 0.7]
[الذكاء: 1.5]
إحصاءات ما بعد الجراحة:
[الاسم: توماس بلاكوود]
[الجنس: ذكر]
[النوع: الإنسان العاقل]
[الصحة: 120/120]
[القوة: 1.3]
[المرونة: 1.4]
[الذكاء: 1.6]
دمج شريحة الذكاء الاصطناعي مع تكنولوجيا النانو المتقدمة أتاح عملية شفاء دقيقة وسريعة. حللت الشريحة حالة جسد "توم" بالكامل وحددت جميع المناطق التي تحتاج إلى إصلاح أو تحسين. ثم أطلقت نانومجسات متخصصة عملت كعوامل تغيير. لكن يجب الإشارة إلى أن لهذه العملية حدودها. رغم أن الشريحة حسّنت بشكل كبير من صحة "توم" وقوته ومرونته، يبدو أن هناك حدًا أعلى لا يمكن للشريحة تجاوزه لتحسين صفاته البدنية.